9/9/2025
المصدر-جريدة الأنباء
في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار الفائدة، برزت الكويت كوجهة مالية آمنة تستقطب الأموال الأجنبية، حيث سجلت البنوك المحلية نموا ملحوظا في ودائع غير المقيمين (الأجانب) خلال الفترة المنقضية من عام 2025، لتصل إلى 12.14 مليار دينار في يوليو الماضي، مقارنة بـ 8.4 مليارات دينار في الشهر نفسه من العام الماضي، أي بزيادة تقترب من 44% خلال عام واحد.
ويأتي الجزء الأكبر من هذه الودائع من القطاع الخاص والكيانات الأجنبية العاملة في الكويت، سواء شركات أو مؤسسات مالية أو كيانات مرتبطة بالحكومة، ما يعكس ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد الكويتي والنظام المصرفي المحلي، وتتوزع ودائع غير المقيمين لدى البنوك إلى جانبين، أولها ودائع متبادلة بين البنوك بقيمة 7.05 مليارات دينار، والثاني ودائع يصنفها بنك الكويت المركزي بـ «الأخرى» بقيمة 5.08 مليارات دينار.
ووفقا لبيانات «المركزي»، فإن «الودائع الأخرى» تتوزع على ودائع مؤسسات مالية بقيمة مليار دينار، وودائع حكومية أجنبية بقيمة 222 مليون دينار، إضافة إلى ودائع القطاع الخاص المحلية والدولية بقيمة 531 مليون دينار، وأخرى بالعملات الأجنبية بقيمة 3.3 مليارات دينار.
إجمالا، تتمتع الكويت بمزايا تنافسية تجعل منها وجهة جاذبة للودائع الأجنبية، أبرزها معدل الفائدة المرتفع للبنوك المحلية الذي يبلغ حاليا 4%، وهو معدل تنافسي عند المقارنة بمعدل الفائدة الأميركي الذي يتراوح بين 4.25 و4.5%، وعلى الرغم من أن الفارق يبدو محدودا، فإن البيئة المالية المستقرة والأمان المصرفي في الكويت يجعل هذه الفائدة جذابة جدا للمستثمرين الباحثين عن مكان آمن لأموالهم بعيدا عن المخاطر المرتبطة بالأسواق العالمية المتقلبة.
وتتمتع البنوك بقدرة مالية قوية وإشراف فاعل من بنك الكويت المركزي، مما يعزز ثقة المستثمرين في النظام المصرفي المحلي. وقد بلغ متوسط نسبة القروض إلى الودائع 98.3% في الربع الأول من 2025، فيما يضمن قانون رقم 30 لعام 2008 حماية غير محدودة للودائع، ما يمنح الأجانب راحة بال كبيرة عند إيداع أموالهم في الكويت.
إضافة إلى ذلك، توفر الكويت بيئة تنظيمية مرنة وخدمات مصرفية إلكترونية متقدمة تمكن المستثمرين من إدارة أموالهم عن بعد، إلى جانب إعفاءات ضريبية على الودائع، وهو عامل مهم لجذب الأموال الأجنبية وحماية المستثمرين من الأعباء الضريبية في بلدانهم الأصلية.
ويعزو محللون ماليون هذا النمو اللافت في ودائع غير المقيمين إلى عدة عوامل متداخلة، أبرزها الأداء القوي للاقتصاد الكويتي خلال العامين الأخيرين مدعوما بفوائض مالية ناتجة عن ارتفاع أسعار النفط، إلى جانب سياسات مالية محافظة تركز على ضبط مستويات الدين العام وتعزيز الاحتياطيات الأجنبية التي تجاوزت 50 مليار دولار بنهاية النصف الأول من 2025. هذه العوامل أسهمت في ترسيخ سمعة الكويت كمركز مالي آمن في المنطقة.
وتأتي هذه الزيادة في إطار توجه عالمي نحو تنويع أماكن الإيداع بعيدا عن الأسواق الغربية التي تشهد تقلبات حادة وضغوطات تضخمية. وتشير تقارير بنوك استثمار عالمية إلى أن الكويت استفادت من هذه التحولات، خصوصا مع ارتباط الدينار الكويتي بسلة عملات مرجحة للدولار الأميركي، ما يمنح العملة المحلية استقرارا نسبيا مقارنة بعملات أخرى في المنطقة.
تعزيز مستويات السيولة
ويسهم هذا النمو في تعزيز مستويات السيولة في القطاع المصرفي، ما خفض تكلفة الاقتراض بين البنوك ورفع قدرة المؤسسات المالية على تمويل المشاريع الاستراتيجية محليا، سواء في البنية التحتية أو الطاقة أو الخدمات المالية. ويتوقع خبراء أن ينعكس هذا الاتجاه على زيادة الإقراض الموجه للمشاريع التنموية ضمن خطة الكويت الطموحة للتحول إلى مركز مالي وتجاري إقليمي بحلول عام 2035.
ولعبت الرقمنة المالية والتحول الرقمي دورا بارزا في جذب المستثمرين الأجانب، حيث أطلقت البنوك الكويتية خلال عامي 2024 و2025 حزما من الخدمات الرقمية المتطورة، مثل فتح الحسابات عن بعد، وإدارة المحافظ الاستثمارية إلكترونيا، وتوفير حلول دفع عابرة للحدود. هذه التطورات عززت تنافسية القطاع المصرفي الكويتي وجعلته أكثر توافقا مع متطلبات المستثمرين الدوليين.
ومع استمرار الكويت في الحفاظ على معدلات فائدة تنافسية وبيئة مالية مستقرة، من المتوقع أن تستمر تدفقات الودائع الأجنبية في الارتفاع خلال الفترة المقبلة، ما يعزز مكانة الكويت كمركز مالي إقليمي آمن، ويزيد من فرص الاستثمار وتوسيع قاعدة السيولة المحلية.
تجدر الإشارة إلى أن الودائع تودع لدى القطاع المصرفي على أساس تجاري، ولذلك تتباين فوائد وآجال استحقاق تلك الودائع بحسب أجل الوديعة وحجمها والبنك المودع لديه، وهو ما ينطبق أيضا على الودائع العائدة إلى الجهات الحكومية الأجنبية والمؤسسات الدولية.
من غير المقيمين؟
يقصد بـ «غير المقيمين» الأشخاص غير الكويتيين الذين لا يحملون إقامة أو إذن عمل، بالإضافة إلى الشركات الأجنبية المرخصة من وزارة التجارة والصناعة أو الجهات المختصة، بما في ذلك الشركات المتعاقدة مع الحكومة والهيئات الديبلوماسية الأجنبية.
