عام

تحديات وفرص المستقبل.. رؤية مستقبلية لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة في عالم سريع التغيرات


منذ بداية القرن الحادي العشرين، أصبحت التكنولوجيا محوراً أساسياً في تشكيل مستقبل البشرية وتحقيق التقدم الشامل القائم على الاستدامة، وبرزت كقوة تدفع بالعالم إلى الأمام، وتسهم في تحقيق العديد من الإنجازات التي كانت في الماضي تبدو بعيدة المنال. ومع اختراع الشبكة العالمية، بات استخدام الأدوات التكنولوجية في متناول الجميع، وشهد العالم تحولاً رقمياً كبيراً في مختلف المجالات، وأصبحت مواكبة هذه التطورات ضرورة للحكومات والشركات وحتّى للأفراد.
وفي عصر يشهد تسارع التقدم التكنولوجي بوتيرة مذهلة، حقَّقت دولة الإمارات قفزة نوعية في مجال التطور الرقمي والتكنولوجي، إذ احتلَّت مركز الصدارة في "مؤشِّر الأداء الرقمي في الخليج العربي 2023" في تقرير أصدرته "أورينت بلانيت للأبحاث"، واحتلت المرتبة العاشرة في "مؤشَّر التنافسية العالمية 2023"، الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية IMD.
الفرص والتحديات.. رحلة متجددة
مع كل تقدم تكنولوجي يظهر تحدٍّ جديد، يتراوح في طبيعته ما بين تأثير التكنولوجيا في سوق العمل وتغييراته المستمرة، ومخاطر الأمن السيبراني والتحديات البيئية التي تنطوي على الاعتماد الكبير على التكنولوجيا. ومع ذلك، فإنَّ الفرص تنشأ من استغلال التحديات، وتتجلى في تعزيز الابتكار وتحسين الجودة والكفاءة في مختلف المجالات.
وتبرز "مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة" كمنارة للتقدم والابتكار في مجال تطوير المعرفة، وتسعى إلى تمكين المجتمعات من تحقيق التنمية المستدامة من خلال الاستثمار في المعرفة وتطوير قدرات الأفراد والمؤسَّسات. وتتبنى المؤسَّسة نهجاً يتمحور حول التمكين المعرفي لأفراد المجتمع، والإسهام في بناء جيل قادر على مواكبة التطور التكنولوجي السريع، ومؤهل لقيادة دولة الإمارات نحو الصدارة العالمية في مجالات الرقمنة والابتكار والذكاء الاصطناعي ضمن أطر مستدامة ومراعية للبيئة، مع التركيز على تعزيز التعليم الرقمي وتطوير الأساليب التعليمية المبتكرة، وتسهيل الوصول إلى المعرفة والموارد التعليمية وتطوير البنية التحتية التكنولوجية.
وفي سبيل تحقيق هذه الغايات، أطلقت المؤسَّسة "مركز المعرفة الرقمي"، المنصة المعرفية الرائدة لإنتاج وجمع وتنظيم المحتوى المعلوماتي الرقمي والمعرفي في إطار شامل ومتكامل يسهم في سد الفجوة الرقمية والمعرفية العربية، ويعزِّز مكانة المحتوى العربي على الإنترنت. وأسهم المركز في بناء منصات معرفية شاملة تحتوي على ما يقرب من 200 ألف عنوان متنوع في مختلف المجالات، متيحاً منصة رائدة لتوفير الحلول الرقمية الشاملة والهادفة إلى إدارة اقتصاد المعرفة. ويستفيد من هذه المنصة أكثر من 25 مؤسَّسة وطنية عن طريق مشاركة المحتوى الرقمي وإتاحته من خلال نقطة وصول موحدة، لتثمر جهود المركز في بناء وتأسيس عدد من المكتبات المتخصصة لمؤسَّسات عريقة في دولة الإمارات.
جسور المستقبل
وفي ظل أهدافها الرامية إلى استشراف المستقبل وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال المعرفية، بادرت المؤسَّسة إلى اتخاذ خطوات جادة نحو بناء جسور للمستقبل، من خلال مبادراتها المبتكرة والمستدامة، بهدف تعزيز مجالات تحديث المهارات واكتساب المعرفة الضرورية، والتي أصبحت أمراً حتمياً للتفوق في سوق العمل المتغير باستمرار. وتعد مبادرة "مهارات المستقبل للجميع" التي أطلقتها المؤسَّسة، خطوة مهمة نحو تجاوز التحديات التي تواجه الأفراد في سوق العمل، عن طريق تمكينهم من اكتساب المهارات الضرورية للتكيف مع التحولات السريعة في متطلبات العمل، وتوفير فرص الحصول على وظائف جيدة وإحراز التقدم الوظيفي.
وتعتمد المبادرة على مفهوم الدورات المفتوحة عبر الإنترنت (MOOCs)، حيث توفر برامج تعليمية متقدمة ومنصات تفاعلية عبر الإنترنت للمشاركين، للمساعدة في تطوير مهاراتهم الشخصية والرقمية والوظيفية. ولا تقتصر المبادرة على توفير التعليم فحسب، بل تسعى أيضاً إلى تعزيز فرص الحصول على وظائف والاحتفاظ بها وإحراز التقدم الوظيفي، وإعداد جيل جديد من الموهوبين والمؤهلين لمواجهة تحديات العصر الرقمي.
وتأتي هذه المبادرة في ظل تقارير تشير إلى احتمال فقدان ملايين الوظائف بسبب التشغيل الآلي بحلول عام 2030، وقلق العديد من الأفراد من عدم امتلاكهم المهارات اللازمة للحصول على عمل جيد الأجر. وعليه، يبدو جلياً أن زيادة التركيز على المهارات المستقبلية وتعلُّم المهارات الشخصية والقدرة على التكيف يجب أن تتصدر أولويات المؤسَّسات التعليمية، وهو ما تصبو إليه مبادرة "مهارات المستقبل للجميع".
وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تعتزم المؤسَّسة توسيع نطاق المبادرة لتشمل المزيد من الدول العربية، بهدف تمكين المزيد من الشباب من مواجهة التحديات الناجمة عن التحولات في سوق العمل. وفي إطار المرحلة الأولى، تسعى المبادرة لتشمل 6000 متعلم من الدول العربية لقيادة النقلة النوعية على صعيد المهارات، وتطمح للوصول إلى مليون متعلم في السنوات المقبلة.
عالم أفضل
يجسِّد نهج مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة ثقتها بالفرص التي يحملها المستقبل في طياته، وتتجلى هذه الفرص في عدة مجالات تستهدف تعزيز التعليم والابتكار وتحقيق التنمية الشاملة، وتوجيه الجهود نحو تحقيق أهداف استراتيجية تعزز جودة الحياة وتسهم في بناء مجتمعات مستدامة.
ومن خلال التعاون مع الجهات المعنية على المستوى المحلي والدولي، تسعى المؤسَّسة إلى تحقيق جملةٍ من الأهداف المشتركة في مجالات التعليم والبحث، وتركز على توسيع نطاق تعليم اللغة العربية واستخدامها من خلال الشراكات، مثل مذكرة التفاهم مع "أكاديمية إسطنبول لتعليم اللغات" و"EYouth".
وتسعى المؤسَّسة إلى تمكين الأجيال القادمة عبر تطوير المحتوى المعرفي وتوفير الأدوات والموارد التعليمية الحديثة. وتولي المؤسَّسة أهميةً كبيرة لتوفير بيئة تشجع على تبادل المعرفة والخبرات، وتركز على تنظيم المنتديات وورش العمل والفعاليات البحثية لتعزيز التفاعل وتبادل الأفكار وتطوير حلول مبتكرة للتحديات العالمية.
وفي ظل التزام المؤسَّسة برؤيتها وتنامي تعاونها مع الشركاء والجهات المعنية، يبدو المستقبل أكثر إشراقاً للشباب العربي، في ضوء المبادرات والبرامج الرامية لرفدهم بالأدوات التي تتيح لهم تحقيق طموحاتهم وتقديم مساهمة فعّالة في تطوير مجتمعاتهم، متسلحين بالمهارات اللازمة لمواكبة التحول الرقمي، ودفع عجلة التطور المستدام.
قمَّة المعرفة.. نافذة على المستقبل
تعد قمَّة المعرفة، التي تنظِّمها مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من أبرز الأحداث السنوية في المنطقة، حيث تجمع الرواد والمبتكرين وأصحاب الرؤى الشباب مع الخبراء وواضعي السياسات وصُنَّاع القرار. وتمثِّل هذه القمَّة منبراً حيوياً لتبادل الأفكار والمعرفة، بهدف بلورة حلول مبتكرة قابلة للتنفيذ، وتعزيز التنمية المستدامة ورفاهية المجتمعات، إذ يمهِّد الجمع بين التجارب المحلية والخبرات الدولية في هذه القمة الطريق لإنتاج مشاريع مؤثِّرة ومستدامة.
وفي الدورة الأخيرة من قمَّة المعرفة عام 2023، كانت مدن المعرفة والثورة الصناعية الخامسة محوري الاهتمام، وناقشت دور مدن المعرفة في تبني واستيعاب التحولات الجذرية التي تحملها الثورة الصناعية الخامسة، مسلِّطةً الضوء على تأثير التكنولوجيا في تغيير نماذج الأعمال التقليدية وبناء النماذج الاقتصادية المستقبلية. وجسَّدت هذه الدورة الفكر الريادي الذي تنتهجه دولة الإمارات في مجال التطور التكنولوجي، وارتكزت على ترسيخ مفهوم الاستفادة من الفرص المتجددة لتجاوز التحديات المستجدة، وأكَّدت أن الإرادة والتعاون من أهم سُبل تحقيق مستقبل مشرق ومستدام، يسوده الازدهار والتقدم والعدالة الاجتماعية.
يتجلى في نهج مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة تركيزها على بناء عالم أفضل ومجتمعات مستدامة، وإرساء دعائم اقتصادات المعرفة. وتأخذ المؤسَّسة على عاتقها قيادة التحول نحو المستقبل المشرق، مجسدةً في مبادرتها المستدامة التفاني والابتكار والشراكة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية. وتضع المؤسَّسة أسساً قوية لبناء جسور نحو التنمية المستدامة والتعليم الرقمي وتحقيق التقدم الشامل، بتبادل الأفكار وبلورة الحلول الإبداعية التي تسهم في رفاه الأمم وازدهارها.

المنشورات ذات الصلة